إيلاف من دبي: منذ أن غاب قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني عن المشهد الإيراني مطلع يناير 2020، دخلت الفصائل الموالية لطهران بمرحلة جديدة. فالرجل الذي يُلقّب بـ"مهندّس" التوسّع الإيراني في المنطقة، كان يقود بشكل مباشر الميليشيات الموالية لبلاده في الشرق الأوسط، أي فصائل من الحشد وغيرها في العراق، حزب الله في لبنان، حركة حماس والجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية، والحوثيين في اليمن، ولواء فاطميون وزينبيون في سوريا.

من هنا، يُمكن فهم سعي إيران إلى إعادة ترتيب أوراق ميليشياتها في العراق عبر اختيار مئات المقاتلين "الموثوق بهم"، وتشكيل فصائل أصغر موالية لها بشدة، بحسب "العربية.نت".

وفي هذا السياق، أكد حارث حسن، الباحث في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، والمتخصص بالشأن العراقي، لـ"العربية.نت" "أنه بعد مقتل سليماني وأبو مهدي المهندّس أصبحت الفصائل العراقية التي يُقارب عددها الخمسين أقل انضباطاً وبات التنافس في ما بينها على زعامة الحشد الشعبي طمعاً بالمغانم المالية للدولة العراقية وليس تنفيذ أجندة الحرس الثوري الإيراني، سيّد الموقف".

كما لفت إلى "أن التنافس بين المؤسسات التابعة للنظام الإيراني مثل فيلق القدس والحرس الثوري على ملء غياب سليماني، أثّر بدوره على عمل الفصائل العراقية، لاسيما الرئيسية منها مثل منظمة "بدر" و"عصائب أهل الحق"، وكتائب "حزب الله" العراقية، حيث انخرطت في الصراع السياسي القائم في البلاد، لاسيما منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية، حيث اتّهمت في قمع التظاهرات، كما تورّطت في عمليات الاغتيال التي حصلت، ما أثّر كثيرا على سُمعتها في الشارع العراقي، لذلك اُجبرت على التراجع عن الظهور بعد ردّ الفعل الشعبي العنيف والمظاهرات الضخمة ضد النفوذ الإيراني في أواخر عام 2019".

إلى ذلك، أوضح حسن "أن إيران باتت تُفضّل تسليم "المهمات الخاصة" لمجموعات صغيرة تُشرف عليها مباشرة وواثقة من ولائها العقائدي وارتباطها العسكري بها".

وبما أن هذه المجموعات الصغيرة تتشكّل من مئات المقاتلين الموثوق بولائهم من بين كوادر أقوى الميليشيات الحليفة لها في العراق، كان لا بد من تدريبها على مزايا تكتيكية جديدة.

وتأتي في السياق الطائرات المسيّرة بدون طيّار التي أصبحت، بحسب حسن سلاحاً جديداً في حروب إيران في المنطقة.

إلى ذلك، أوضح "أن تدريب تلك المجموعات حصل في لبنان على يد نخبة من عناصر حزب الله لأسباب عدّة، أولاً من أجل ضمان ولائها وانضباطها نسبةً إلى خبرة الحزب في ذلك، على عكس الفصائل العراقية حيث التنافس على أشده في ما بينها، وثانياً لأن الحزب لديه مساحة سياسية وجغرافية مستقلّة لا يقدر أحد في لبنان على اختراقها على عكس الوضع في العراق، حيث يُسيطر الأميركيون بشكل شبه كامل على الجوّ ما يُصعّب عملية التدريب على إطلاق المسيّرات".

وما سهّل مهمة حزب الله بتدريب العراقيين، حرّية دخولهم إلى لبنان من دون تأشيرة دخول (فيزا)، وهو ما أشار إليه الباحث المتخصص بالشأن العراقي.

من جهته، اعتبر الباحث والصحافي العراقي رياض محمد "أنها ليست المرّة الأولى التي تعتمد فيها إيران على حزب الله لتدريب الميليشيات العراقية. فعلى الأقل منذ 2007 إن لم يكن قبلها، كان عناصر حزب الله يدرّبون الجماعات الخاصة في إيران، وهي عبارة عن مجاميع منشقة عن جيش المهدي وتشمل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله".

ولفت في حديث لـ"العربية.نت" إلى "أن إيران تعتمد على حزب الله، لأن له خبرة طويلة في هذا المجال ويتكلّم منتسبوه العربية.

أما عن مكان التدريبات فأشار إلى أن الأمر يعتمد على التسهيلات المتوفّرة، مضيفا أحيانا تتم في إيران وأحيانا أخرى في لبنان لتوفّر الأمن والسرية أكثر

إلى ذلك، رأى "أن تركيز إيران أصبح منصباً على تقنية الطائرات المسيّرة"، مضيفا أن حزب الله استغل السنوات الخمس عشرة الأخيرة لتطوير إمكاناته في هذا المجال بمساعدتها.

يشار إلى أنه منذ العام 1996، أدخل حزب الله الطائرات المسيّرة، في محاولة لموازنة الطائرات الإسرائيلية الاستطلاعية MK التي تحلق فوق لبنان من أجل المراقبة.

ولهذه الغاية أنشأ حزب الله ما يعرف بـ (الوحدة 127) المختصّة بتصنيع الطائرات المسيّرة. وكان يرأسها حسّان اللقيس الذي اغتيل في ديسمبر/كانون الأول 2013، في الضاحية الجنوبية لبيروت، واتّهم حينها حزب الله إسرائيل بتنفيذ العملية.

وبهدف تطوير الطائرات المسيّرة، زار اللقيس معامل الطائرات في إيران أكثر من مرّة.

ومع أن مصادر مطّلعة لم تستبعد لـ"العربية.نت" "أن يكون حزب الله أقام مركزاً للتدريب على استخدام الطائرات المسيّرة في مدينة القصير الواقعة بريف حمص الغربي التي يُهيمن عليها مع النظام السوري، غير أن وزير العدل السابق والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي في لبنان اللواء أشرف ريفي لفت إلى "أن نوعية التدريبات هي التي تفرض نفسها على المكان. فالتدريبات الأوّلية على استخدام الطائرات المسيّرة تبدأ في السهول مثل مناطق البقاع (تخضع بمعظمها لسيطرة حزب الله) ثم تنتقل إلى الضاحية الجنوبية (معقل الحزب) من أجل التدريب على إطلاقها بين المباني السكنية".

وقال لـ"العربية.نت" "حزب الله يُمسك باللعبة الأمنية في لبنان ولا يتجرّأ أحد على اعتراض أي معسكر تدريب تابع له أو إيقاف أي نشاط عسكري له. من هنا لا أستبعد أن تقوم المجموعات التي تدور في الفلك الإيراني بدورات تدريبية في معسكرات الحزب في لبنان".