ابتهجنا جميعاً برؤية التقارب السعودي العراقي والخطوات المتقدمة التي بدأت تتجسد على أرض الواقع، وهذهِ العلاقات الطيبة بطبيعة الحال ستواجه محاولات كيدية من جهات تابعة للنظام الإيراني والتركي وهما العدوان اللدودان للأمة العربية. لكن الوعي والتجارب التي مر بها العراقيون جعلتهم يدركون من هو الصديق ومن هم العدو.

اطمئنوا يا شعب العراق، السعودية لا يأتي منها إلا الخير، والتاريخ والحاضر يشهدان بذلك، ومن أراد البرهان الذي لا مرية فيه فلينظر إلى لبنان عندما كان يسير في خُطى السعودية، كان مضرب مثل في الجمال والرُقي، كان بلداً يقصده السيّاح من مختلف أنحاء العالم، كل ذلك بفضل الدعم السعودي الذي كان يحظى به، وكأن السعودية تخاطب الدول العربية التي طالها العبث الإيراني والتركي كما خاطب المسيح قومه:
(تعالوا إليَّ ياجميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم). والاسطوانة المشروخة التي يرددها عملاء ايران وأتباعها من أن هناك العديد من السعوديين الذين انضموا لداعش وفجروا في العراق، نقول إن ثبت ذلك فإن هؤلاء لم يخرجوا بطريقة نظامية، بل إنهم أعداء للسعودية قبل أن يكونوا أعداء للعراق، والسعودية تضررت من الإرهاب كما تضرر العراق، ثم إن الفساد الذي استشرى في العراق وضعف الدولة وانهيار مؤسساتها ساهم بدخول جنسيات متعددة وبعضها من أوروبا إلى العراق والانضمام لداعش، فالأمر لم يكن مقتصراً على السعوديين فحسب.

الحكومة السعودية لم تكن طائفية في تاريخها، ومساندتها ودعمها يكون من منطلق إنساني، من هنا كانت تُسمَّى دائماً ب(مملكة الإنسانية)، السعودية دعمت لبنان بكل ما فيه من طوائف وأديان(مسيحي كاثوليكي أو أرثوذُكسي، مسلم سني أو شيعي)، كذلك مصر تجد أن الأقباط فيها قبل المسلمين يثنون على الجهود السعودية في الحرب على الإرهاب والدعم المستمر لمصر على كافة المستويات، وما كانت زيارة البطريرك بشارة بطرس الراعي إلى السعودية، وكذلك زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ولقاءه بقداسة البابا تواضروس الثاني إلا دلالة واضحة على النهج السعودي الإنساني المعتدل المنفتح على الجميع.

العراق الآن في طريقه للتعافي، والسعودية تقف وتساند العراق ليتعافى سريعاً ويأخذ مكانته التي تليق به، وما يجب أن يعلمه العراقيون وخصوصاً اخواننا الشيعة، أن الشعب السعودي وخصوصاً الشباب متسامحين ومنفتحين ومتقبلين للجميع، الصورة التي يتخيلها الشيعي العراقي عن المواطن السعودي وأنه سني وهابي يُكفِّر الشيعة ويؤيد قتلهم ليست صحيحة، والحالات الشاذة تبقى في محيطها الشاذ وليس لها صوت ولا تأثير، لغة التكفير لم يَعُد لها وجود في المجتمع السعودي، بل إنها أساساً لم تكن جزء من ثقافتنا، كل مافي الأمر أنها كانت محصورة في بعض الرموز الدينية التي لم يعُد لها قابلية في المجتمع.

نريد أن نرى المواطن العراقي علي أو عبد الحسين في الرياض أو جدة أو مكة، نريد أن نرى السعودي يزيد أو عمر في بغداد أو البصرة أو كربلاء، نتوق لسماع اللهجة العراقية بشكل مباشر، نريد أن نرى الآثار العراقية التي طالما قرأنا عنها دون رؤيتها، نريد الجلوس على ضفاف نهري دجلة والفرات، نريد أن نطرب على أنغام ناظم الغزالي وسعدون جابر وكاظم الساهر ونحن نسير في أزقة بغداد، وأنتم كذلك ستطربون على أنغام طلال مداح ومحمد عبده وراشد الماجد وأنتم في وسط مدينة الرياض التي سمعتم عنها كثيراً ولم تروها على أرض الواقع، سئمنا جميعاً من الطائفية والعداء والكراهية، حان الوقت الذي نتعانق فيه لنبدأ عهداً جديداً ملؤه الحب والسلام والبناء والازدهار.